بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا عيونستان؟
عندما أردتُ الكتابةَ إليكم كان علَيَّ أنْ أختارَ اسماً لهذه المدوَّنةِ، اسماً يكشف عما تحملُ أو عن بعضِه، سهلَ المَحمَلِ خفيفاً، فتداعت الأسماءُ أمامي بعضها في إثْرِ بعض، كلُّ واحدٍ منها يغري بنفسه ويُدِلُّ على أصحابِه بأصله وفصلِه وقدْرِه بينَ الأسماءِ.
ولكن لاحَ لي من بين أركانِ الذاكرةِ المستورةِ بحُجُبِ الغفلة اسمٌ كنتُ قد نحتُّه نحتاً في أولِ اتصالي بسكانِ عيونستان. كان ذلك منذُ سنواتٍ عندما اضطرِرتُ اضطراراً إلى الترددِ على أحدِ الأماكنِ الخاصةِ بتعليم الحاسب لأهل عيونستان في أولِ عهدِ بلادِنا بهذه التقنية. ذلك أنِّي كنتُ حريصاً منذ امتُحِنتُ بالهجرةِ إلى بلاد عيونستان ألَّا أغشى تجمعاتِ العيونستانيين، وذلك لِما كنتُ أرى من أحْوالِهم العجيبةِ، بل قُل أحوالِ أكثرِهم. ولم أكُ في حرصي هذا على الابتعاد متأثراً بأي فكرةٍ سابقةٍ أو ثقافةٍ سائدةٍ بينَ أهل البلاد الأولى التي كنتُ أُقيمُ فيها قبلَ هجرتي إلى عيونستان، بل كان ذلك الحرصُ وليدَ الرصدِ المباشرِ لواقعِ كثيرٍ من العيونستانيين إذا اجتمعوا. وأرجو ألَّا أكونَ متجنياً في حكمي هذا، فحسبي أنَّ كثيراً من سكان عيونستان الأصليين أنفسِهم وافقوني عليه.
يعودُ بنا الحديثُ سيرتَه الأولى في الاسمِ الذي لاحَ لي من بينِ حُجُبِ الذاكرةِ، الاسمِ الذي نحتُّه نحتاً، ذلك الاسم الذي أطلقتُه على بلاد عيونستان في ذلك الوقتِ وكنت قد صرحتُ به لبعض مَن أعرفُ من أهلِها فتقَبلوه بقبولٍ حسنٍ وتداولوه بينَهم حتى صار عَلماً عليها على الأقلِ بين بعضِهم. أما ذلك الاسمُ المنحوتُ نحتاً فهو: لُوشْسْتان. وهو كما ترونَ مُركَّبٌ من مَقطعين: لوش، وستان، فالمقطعُ ستان معروف لكثيرٍ من الناس وهو كلمةٌ فارسيةٌ تعني مكان، وكثيراً ما تكون جزءًا من أسماء كثيرٍ من الأقاليمِ والبلادِ كَتُركستان، وَعَرَبستان، وباكستان، وقازغستان وغير ذلك. أما المقطعُ الأولُ وهو لوش بضمِّ اللام وسكون الواو فمأخوذ من قولهم: لَوَّشَ على وزنِ فَعَّلَ يُلَوِّشُ تَلْويشاً في العامِّيةِ الدارجةِ على لسان أهل مصر بمعنى تخبَّطَ في مشيِه وفِعلِه فسار على غير هدى من بصرٍ وإنْ كان مبصراً. ولستُ أدري إن كان اللفظُ مستخدَماً في سائر عامِّيَّاتِنا العربيةِ ومعروفًا بهذا المعنى أم أنَّ هناك ألفاظاً أخرى تقومُ مقامَه. على أيِّ حالٍ نحتُّ من هذين المَقطعين ذلك الاسمَ، وجعلْتُه عَلماً على تلك البلاد فكان اسمُها لُوشْسْتان. بل ذهبتْ بي نفسي أبعدَ من ذلك عندما فكرتُ في تأليفِ روايةٍ على مثالِ ألفِ ليلةٍ وليلةٍ اسمُها حكايات لُوشْسْتان أو ألفُ لَوْشَةٍ وَلَوْشَةٍ أسْتمدُّ مادتَها من واقعِ أهلِ هذه البلادِ أعني بلاد لُوشْسْتان. غيرَ أنِّ عدلتُ عن هذه الفكرةِ، فكلما وضعتُ خطَّاً لهذه الروايةِ ورسمتُ لها حدودَها الفنيةَ، أخذتْ تلك الحدودُ تتسعُ باتساعِ ما يتكَشَّفُ لي من الأراضي الخصبةِ لبلاد لُوشْسْتان وسكانِها، فأدركتُ عندئذٍ أنَّ ذلك مما تفنى دونه الأعمار فآثرتُ السلامةَ، على أنِّي ربما ضمّنتُ هذه المُدوَّنةَ فصولاً من هذه الرواية إنْ شاءَ الله.
ولكن ما صلةُ هذا الاسم المنحوت بتلك المدوَّنةِ؟ الصلةُ أنِّي كنتُ على وشكِ أن أسمِّيَها به بعدَ أن لاحَ لي من حُجُبِ الذاكرةِ، ولكنني عدلتُ عنه إلى عيونستان هروباً من ثقلِ وطأةِ لُوشْسْتان على أنفسِ كثيرٍ من الناسِ، إلَّا الذين يأخذونها بروح المِزاحِ والدُّعابةِ التي كانت وراءَ اختراعي لهذا الاسمِ المنحوت. فعدلتُ عنه ومِلتُ إلى عيونستان الأكثر بريقاً ولمعاناً. وجرياً على عادة العربِ في لغتِهم من الهروب من الأسماءِ الثقيلةِ على النفسِ إلى أسماء أخرى تُضادُّها كالصحراءِ المُهلِكةِ التي سمَّوها مَفازةً مع كون الرحلةِ فيها محفوفةً بالمهالكِ، وجِهَةِ الشِّمالِ التي سمَّوها يساراً هرباً من لفظِ الشِّمالِ وغير ذلك.
فمًدوَّنَتُنا إذن اسمها: عيونستان، ولكن ما موضوعُها؟ وماذا تنتظرون منها؟
أنوي إنْ شاء اللهُ وهو المستعانُ أن أجْعلَها نافذةً يُطلُّ منها المكفوفون العربُ على التقنيةِ المعِينةِ في ما يتصلُ بالحاسب الآلي وتطبيقاتِه وجِسراً لنقلِ الخبرةِ الشخصيةِ لكاتبها وتبادلِ الرؤى من خلال تعقيباتِكم الكريمةِ التي يمكنكم أنْ تتركوها عقبَ كل مقالة. كذلك قد أَخرجُ في بعض المقالاتِ عن التقنيةِ المعِينةِ إلى مواضيعَ أخرى لها صلةٌ بعيونستان وأهلِها سائلاً اللهَ أن يَتقبلَ هذا العملَ وينفعَني به وإياكم.
هناك 3 تعليقات:
سلامُ الله عليك يا ساكن عيونستان الجديد
صحيحٌ أنك انضممتَ إلى هذه الأرض وهؤلاء الناس مأخرا لكنك والله كنزٌ ثمينٌ يحسُنُ باهل عيونستان الحرصُ والمحافظة عليه.
فسباحان الذي خصَّكَ بتخيُّرِ حُسنِ الألفاظ،
ودقة في التعبير، وبراعة الأسلوب وسلاسته.
فأنا والله أشعر أنك متمكن من اللغة وعندما نسبتك للأوائل من فحول الأدب لم أكن أبالغ أو أجامل.
وأهنيكَ من كل قلبي على حسن اختيارك عيونستان عنواناً لمدونتك. فهو عنوانٌ سرعانَ ما يأخُذُ فكْرَ قارئه إلى الخيالات الأراضي البعيدة التي حدثت فيها أجمل الأساطير وأجودها.
موفق يا رب.
فارسةُ الكلمات الندية.
سيدي
جزاك الله خيرا على مدونتك الثرية
واسمح لي أن أضمها إلى قائمة أصدقاء مدونتي المتواضعة
تحية وتقدير
وسأعود ثانية إن شاء الله
الأستاذ أحمد طوسون، أشكر لك هذا الكرم، وأهلاً بك وسهلاً في كل وقت
إرسال تعليق